رسالة من البوطي إلى صدام حسين رحمهما الله

رسالة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى الى صدام حسين رحمه الله تعالى قبل غزو العراق

اللافت للنظر أن الخطاب في الرسالة لا يختلف عن خطب الشيخ رحمه الله تعالى قبل استشهاده

رسالة مفتوحة إلى الرئيس العراقي وشعب العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

سيادة الرئيس صدام حسين ألهمه الله الرشد السداد
السلام عليكم ورحمة الله وبعد:
فلست ممن يجهلون أو يتجاهلون أهمية العدَّة والعتاد، في مواجهة الطغيان والتصدِّي للعدوان، لاسيما تجاه أولئك الذين لا يستعبدهم من من الكون كلّه إلاّ رهبة العتاد، ومَضَاءُ السلاح، وسطوة الرجال.. ومن ثم فأنا ممن يأمر بما أمر الله به من إعداد العدَّة إلى أقصى درجات الإمكان.
ولكن هاهو ذا الطغيان الأمريكي، يرقد على سلاحه النووي وعلى أسلحته المدمِّرة الشاملة رقدة منتشية تذكر برقدة الدجاج على بيضها.. متوثباً ينتظر اللحظة السانحة لينقض فيها، بكل أسلحته المدمرة تلك، على خيرات عراقكم، ثم على كل ذي ذخر وقوة من حولكم!..
وهاهم أولاء القادة العرب الأقزام، آثروا - في مهانة العبد الذي استمرأ سياط الذل - أن ينقلهم الطغيان الأمريكي لحسابه، فقدموا لعدوِّك ولعدوِّهم الأرض والعرض والذخر والبلاد!..وهاأنت فتحت الأبواب على مصاريعها، للباحثين في العراق، لا في إسرائيل، عن أسلحة الدمار الشامل، علَّهم يعثرون على شيء منها، ما بين تخوم الأرض السابعة وحدود الغلاف الجوي من سماء بلادك.. ولَمّا لم يعثروا على شيء، كنت أنت المسؤول عن جريمة (عدم العثور) ونطقت محكمة قطّاعي الطرق بالحكم الذي استقلَّت به عن العالم المتمدين أجمع!..
ما الحرز الذي بقي إذن لك ولشعب العراق، بل للأمة العربية والإسلامية جمعاء؟..
ما الحرز الذي يمكن أن تتقي به الضربة القاضية التي ستكون إيذاناً بالعرس الذي تحلم به إسرائيل؟
إنه اليوم حرز واحد لا تملك أنت ولا شعب العراق غيره.. على أنه الحرز الذي يقف في الدرجة الأولى من الأهمية بين كل ما اتخذته لدرء هذه المصيبة من الأسباب.
إنه الرجوع بتوبة صادقة إلى الله، مع تجديد البيعة له، ثم الالتجاء الضارع إليه بالدعاء، منبثقاً من مشاعر العبودية الواجفة له والتذلل على أعتابه، والانكسار القلبي عند جنابه، لاسيما في أخريات الليالي والأسحار، على أن تكون أنت القدوة في كل ذلك لشعبك، وأن تكون القائد لهم على هذا النهج الذي كان ولا يزال أقرب طريق إلى النصر، إنه الطريق الذي رسمه الله بقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ} [الأنفال: 8/9].. وهو الطريق الذي نسيه أو تناساه - ويا للأسف - أكثر الحكام المسلمين اليوم!..
إن الشعب العراقي إن سلك هذا السبيل، متأسياً في ذلك بقائده، ولازمه ملازمة التائه اهتدى إلى الطريق بعد الضلال، لا يتحول عنه، ولا يملّه، ولا يبتغي به دعاية دينية يتجمل بها أو يخادع بها الناس، ولا يتخذه مطية لمصلحة سياسية ما، بل يتعامل في ذلك مع الله دون غيره، ويعانق من خلاله عبوديته الضارعة لله وحده..
أقول: إن سلك الشعب العراقي هذا السبيل، فإنني لعلى يقين بأن سياط القهر الإلهي ستلهب ظهور الظالمين، وسيأتيهم النكال من حيث لا يحتسبون، وستكون سهام الأسحار لهم بالمرصاد، وسيؤيد الله عباده الراجعين إليه واللائذين به، بجند من لدنه، وما يعلم جنود ربك إلاّ هو، وما هي إلا ذكرى للبشر.
ألا، فلتعلموا أن أرضاً شرفها الله بالإسلام، ثم شرفها باحتضان من شهدت الدنيا كلها بولايتهم وعلوّ مكانتهم عند الله، من أمثال عبد القادر الجيلاني، ومعروف الكرخي، والجنيد البغدادي، وأبي حنيفة النعمان، ثم شرفها بالمسلمين الذين أعلنوا التوبة إليه، وجددوا البيعة الصادقة له، مقتدين في ذلك بولي أمرهم: هذه الأرض لن يتسرب إليها رجس من أعداء الله وأعداء دينه، ولسوف يرتدّ عنها الطغيان المتألّه، خاسئاً مدحوراً على أعقابه، علم ذلك من علم وجهله من جهل..
أما إن بقي إسلامكم، كإسلام أكثر القادة المسلمين اليوم، شكلاً لا مضمون له، ومظهراً للدعاية والاستهلاك، وظلَّ حظ الإسلام منكم كحظه من سائر البلاد العربية الأخرى، فاعلموا إذن أنكم المعنيون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة على قصعتها..)). ولا بدّ أن تنتظروا إذن مصداق هذا الذي أنبأنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

محمد سعيد رمضان البوطي

ليست هناك تعليقات

شاركنا برأيك . فرأيك يهمنا